خدعة المناخ: لماذا تتفوق الأيام المشمسة الباردة على الصحراء الحارقة في إنتاج الطاقة الشمسية؟

لطالما ارتبطت الطاقة الشمسية في أذهاننا بالصور النمطية للصحاري الشاسعة تحت سماء لا سحابة فيها، وشمس حارقة لا ترحم. يبدو المنطق واضحًا: المزيد من الشمس يعني المزيد من الطاقة. ولكن في مفارقة مذهلة تكشف تعقيدات العلوم الهندسية، فإن هذا الاعتقاد الشائع خاطئ إلى حد كبير. الحقيقة التي قد تفاجئ الكثيرين هي أن الألواح الشمسية تنتج طاقة كهربائية أعلى في يوم مشمس بارد، ربما في كندا أو ألمانيا، أكثر مما تنتجه في صحراء الجزيرة العربية في عز الظهيرة.

المفارقة العلمية: عندما يكون الحر عدواً للكفاءة

لبّ هذه المفارقة يكمن في الفرق الجوهري بين الحرارة و الضوء. تعمل الألواح الشمسية (الفولتضوئية) على تحويل الضوء، وليس الحرارة، إلى كهرباء. بينما ترتبط شدة الشمس بوجود الحرارة، فإن الألواح نفسها كأي جهاز إلكتروني آخر، تفقد كفاءتها مع ارتفاع درجة حرارتها.

تأتي الألواح الشمسية مصحوبة بمعيار قياسي يسمى “درجة حرارة التشغيل القياسية للخلية” (NOCT)، والتي تُقاس عادةً عند 25°مئوية. فوق هذه الدرجة، تبدأ الكفاءة في التدهور. وتشير الدراسات إلى أن الأداء ينخفض بنسبة تتراوح بين 0.3% إلى 0.5% لكل درجة مئوية واحدة تتجاوز هذه العتبة.

لنتخيل سيناريو واقعيًا: في يوم صيفي حار في الصحراء، يمكن بسهولة أن تصل درجة حرارة سطح الألواح الشمسية إلى 40°مئوية أو أكثر. عند هذه الدرجة، يكون الانخفاض في الأداء ملموسًا:

هذا يعني أنه في ذروة الحرارة، عندما يُفترض أن الألواح تكون في أوج عطائها، فإنها في الواقع تفقد ما يقرب من عُشر طاقتها المحتملة بسبب الحرارة وحدها.

البطل غير المتوقع: قوة البرد المشع

الآن، لننتقل إلى مناخ مختلف تمامًا: يوم شتوي صافٍ في كندا، أو ربما في جبال الألب. درجة الحرارة قد تكون حول درجة التجمد، ولكن السماء زرقاء صافية والشمس ساطعة.

في هذا السيناريو، تعمل عدة عوامل لصالح إنتاج الطاقة:

  1. التبريد الطبيعي: تعمل الألواح في درجة حرارة قريبة من درجة الحرارة المثالية (25°مئوية)، مما يلغي تأثير فقدان الكفاءة بل وربما يزيدها.
  2. كثافة ضوئية أعلى: غالبًا ما يكون الهواء البارد أكثر جفافًا ونقاءً، مما يقلل من تشتت أشعة الشمس ويمنحها “قوة” أكبر عند اصطدامها بالخلية.
  3. انعكاس الضوء (البياض): في المناطق الثلجية، تعمل الثلوج كعاكس طبيعي ضخم، مما يرسل ضوءًا إضافيًا إلى الألواح الشمسية في ظاهرة تسمى “الإشعاع المعزز”، مما يزيد من إنتاج الطاقة بشكل ملحوظ.

نتيجة لهذه العوامل المجتمعة، فإن الناتج الإجمالي للطاقة في ذلك اليوم الكندي البارد والمشمس يمكن أن يتفوق بسهولة على الناتج في يوم صحراوي حارق، على الرغم من أن ساعات سطوع الشمس قد تكون أقل.

الدليل العملي: ليست النظرية فقط

تثبت البيانات الواقعية من جميع أنحاء العالم هذه الظاهرة. دول مثل ألمانيا، المعروفة بطقسها الغائم والمعتدل، كانت لسنوات من أكبر منتجي الطاقة الشمسية في العالم. ففي الصيف الألماني، حيث تصل درجات الحرارة إلى منتصف العشرينات درجة مئوية مع أيام طويلة، تحقق الألواح Solar PV أعلى إنتاجية لها.

وبالمثل، فإن مشاريع الطاقة الشمسية الكبيرة في المناطق المعتدلة غالبًا ما تُظهر عوائد مالية واستهلاكية أفضل على المدى الطويل بسبب كفاءتها العالية المستمرة، مقارنة بمشاريع في مناطق أكثر حرارة ولكن بأداء منخفض.

الخلاصة: إعادة تعريف “الظروف المثالية”

ما نستخلصه من هذه المفارقة هو أن “الظروف المثالية” للطاقة الشمسية لا تعني بالضرورة “أكثر الأماكن حرارة”، بل أكثرها إشعاعًا مع برودة في المناخ. هذا الفهم يحمل تداعيات مهمة:

في النهاية، تُذكرنا هذه الظاهرة بأن الطبيعة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه. ففي سباق الطاقة، لا يفوز دائمًا الأقوى حرارة، بل قد يفوز الأذكى والأكثر كفاءة.

Exit mobile version