الطاقة المتجددة

الخلايا الكهروضوئية المتكاملة مع السيارات (VIPV): ثورة في الطاقة المتنقلة

مقدمة

في ظل التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية، تبرز الخلايا الكهروضوئية المتكاملة مع المركبات (Vehicle Integrated Photovoltaics – VIPV) كتقنية واعدة تسهم في تحقيق هذا الهدف. تمثل هذه التقنية تطورًا مهمًا في مجال الطاقة الشمسية، حيث تتيح دمج الألواح الشمسية مباشرة في تصميم المركبات المختلفة، سواء كانت سيارات خاصة، حافلات، قطارات، شاحنات، قوارب، أو حتى الترام. الهدف الأساسي من هذا الدمج هو تحويل أشعة الشمس الساقطة على أسطح المركبات إلى طاقة كهربائية يمكن استخدامها لشحن البطاريات أو لتشغيل الأنظمة الكهربائية للمركبة بشكل مباشر، مما يقلل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية ويساهم في تعزيز الاستدامة البيئية.

تتجاوز تقنية VIPV مجرد إضافة ألواح شمسية على سطح المركبة، بل تتضمن استبدال أجزاء من هيكل المركبة، مثل السقف أو غطاء المحرك، بخلايا كهروضوئية مصممة خصيصًا لتندمج بسلاسة مع التصميم العام. هذا الاندماج لا يحافظ على المظهر الجمالي للمركبة فحسب، بل يعزز أيضًا من كفاءة استخدام المساحة المتاحة لتوليد الطاقة. الفوائد المترتبة على تطبيق هذه التقنية متعددة وتشمل:

1.زيادة نطاق السير للمركبات الكهربائية: من خلال توفير مصدر إضافي للطاقة، يمكن للخلايا الكهروضوئية المتكاملة أن تزيد من المسافة التي يمكن للمركبة الكهربائية قطعها بشحنة واحدة، مما يقلل من قلق المدى (range anxiety) لدى المستخدمين.

2. التوفير المالي وتقليل تكاليف التشغيل: يساهم توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في تقليل الحاجة إلى شحن المركبات من الشبكة الكهربائية العامة، مما يؤدي إلى انخفاض فواتير الكهرباء وتكاليف التشغيل على المدى الطويل.

3. تخفيف الحمل على الشبكات الكهربائية: مع تزايد أعداد المركبات الكهربائية، يمكن أن يشكل شحنها تحديًا كبيرًا للبنية التحتية للشبكات الكهربائية. توفر تقنية VIPV مصدرًا بديلًا ومستقلًا للطاقة، مما يقلل الضغط على الشبكة ويساهم في استقرارها.

لا تقتصر هذه التقنية على السيارات الخاصة فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من وسائل النقل، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات الطاقة الشمسية في قطاع النقل.

التحديات التي تواجه الخلايا الكهروضوئية المتكاملة مع المركبات (VIPV)

على الرغم من الإمكانات الواعدة لتقنية VIPV، إلا أن هناك عدة تحديات رئيسية يجب التغلب عليها لضمان انتشارها ونجاحها على نطاق واسع. هذه التحديات تتطلب حلولًا مبتكرة في مجالات التصميم، المواد، والتصنيع:

  • محدودية المساحة وكفاءة الخلايا: تعد المساحة المتاحة على أسطح المركبات محدودة نسبيًا. لتحقيق زيادة ملموسة في نطاق السير، يتطلب الأمر استخدام خلايا كهروضوئية ذات كفاءة عالية جدًا، تتجاوز كفاءة الخلايا التقليدية المستخدمة في الألواح الشمسية الثابتة. هذا يستدعي البحث والتطوير المستمر في مواد وتقنيات الخلايا الشمسية.
  • تقنيات ومواد التصنيع المتقدمة: تختلف متطلبات خلايا VIPV عن الخلايا الشمسية التقليدية. فهي تحتاج إلى أن تكون مرنة وقابلة للانحناء لتتناسب مع الأشكال المنحنية لأجسام المركبات، بالإضافة إلى كونها خفيفة الوزن ومتينة لتحمل الظروف القاسية. هذا يتطلب تطوير عمليات تصنيع جديدة ومواد مبتكرة تضمن هذه الخصائص.
  • ضمان الموثوقية في ظروف التشغيل المتغيرة: تتعرض الخلايا الكهروضوئية في المركبات لظروف بيئية وتشغيلية صعبة ومتقلبة، بما في ذلك:
    • الإشعاع الشمسي غير المتساوي: قد تتعرض أجزاء مختلفة من الخلايا لإشعاع شمسي متفاوت بسبب الظلال الناتجة عن الأشجار، المباني، أو حتى أجزاء أخرى من المركبة نفسها.
    • الظلال المستمرة: يمكن أن تؤثر الظلال بشكل كبير على أداء الخلايا الكهروضوئية، مما يقلل من كفاءتها الإجمالية
    • سرعات الرياح العالية: يجب أن تكون الخلايا قادرة على تحمل قوى الرياح العالية دون أن تتضرر.
    • الاهتزازات: تتعرض المركبات لاهتزازات مستمرة أثناء الحركة، مما يستدعي تصميم خلايا قوية ومقاومة للاهتزازات.
    • خفة الوزن: يجب أن تكون الخلايا الكهروضوئية خفيفة الوزن قدر الإمكان لتجنب التأثير السلبي على كفاءة استهلاك الوقود أو الطاقة للمركبة، خاصة في المركبات الكهربائية حيث الوزن عامل حاسم.
    • المظهر الجمالي: يجب أن تندمج الخلايا الكهروضوئية بسلاسة مع تصميم المركبة دون المساس بمظهرها الجمالي. هذا يتطلب تصميمًا دقيقًا واختيارًا للمواد والألوان التي تتناسب مع جماليات المركبة.

تتطلب هذه التحديات تعاونًا وثيقًا بين مصنعي الخلايا الشمسية وشركات تصنيع المركبات لتطوير حلول متكاملة وفعالة.

نماذج تجارية ونماذج مبدئية لتقنية VIPV

شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من قبل شركات تصنيع السيارات بتقنية الخلايا الكهروضوئية المتكاملة مع المركبات (VIPV)، حيث بدأت بعض الشركات في طرح نماذج تجارية، بينما لا تزال أخرى في مراحل البحث والتطوير المتقدمة لإنتاج نماذج مبدئية ذات كفاءة أعلى.

النماذج التجارية

تعتبر كل من هيونداي وتويوتا من الشركات الرائدة التي قدمت سيارات مزودة بتقنية VIPV إلى السوق التجاري:

1.شركة هيونداي (Hyundai): الطراز: سوناتا الهجينة 2020 (Sonata Hybrid, 2020) .

  • قدرة الألواح: 204 واط.
  • نطاق السير الإضافي: تتوقع هيونداي أن تساهم الألواح الشمسية في شحن البطاريات بما يكفي لإضافة 3.6 كيلومتر إلى نطاق السير اليومي للسيارة، أي ما يعادل 1310 كيلومتر سنويًا، وذلك بناءً على مستويات الإشعاع الشمسي في كوريا.

2.شركة تويوتا (Toyota): الطراز: بريوس 2017 (Prius IV) [4].

  • قدرة الألواح: 180 واط.
  • نطاق السير الإضافي: تقدر تويوتا أن الألواح الشمسية يمكن أن تضيف 2.9 كيلومتر إلى نطاق السير اليومي للسيارة، أي ما يعادل 1060 كيلومتر سنويًا، بناءً على مستويات الإشعاع الشمسي في مدينة ناغويا الوسطى باليابان.

3.شركة كارما (Karma): الطراز: ريفيرو 2017 (Revero 2017) [5].

  • قدرة الألواح: 200 واط.
  • نطاق السير الإضافي: لم يتم توضيح نطاق السير الإضافي الناتج عن الطاقة الشمسية على موقع الشركة.

توضح هذه النماذج التجارية أن تقنية VIPV بدأت بالفعل في دخول السوق، ولكن الزيادة في نطاق السير لا تزال محدودة نسبيًا بسبب قيود المساحة وكفاءة خلايا السيليكون التقليدية.

النماذج المبدئية (Prototypes)

لمواجهة التحديات المتعلقة بمحدودية المساحة وكفاءة الخلايا، تركز العديد من الشركات على تطوير نماذج مبدئية تهدف إلى تحقيق زيادات أكبر في نطاق السير للمركبات. هذه النماذج تستكشف تقنيات ومواد أكثر تقدمًا:

1. نموذج تويوتا (Toyota):

  • في عام 2019، تعاونت تويوتا مع منظمة تنمية الطاقة الجديدة والتكنولوجيا الصناعية (NEDO) وشركة شارب (Sharp) لتطوير نموذج مبدئي لسيارة بريوس (Prius PHV) [6].
  • قدرة الألواح: 860 واط.
  • تقنية الخلايا: تم استخدام خلايا كهروضوئية بتقنية (ثلاثة خمسة III-V) ذات كفاءة عالية تتجاوز 34%، وهي تقنية تستخدم عادة في تطبيقات الأقمار الصناعية.
  • نطاق السير الإضافي: كانت الخلايا في هذا النموذج قادرة على توليد طاقة كهربائية كافية لزيادة نطاق السير للسيارة بحد أقصى 44.5 كيلومتر في اليوم الواحد.
  • الرؤية المستقبلية: وفقًا لتقرير صادر عن تويوتا، إذا أمكن تركيب خلايا بقدرة تتراوح بين 800 و1000 واط على السيارات الشخصية، وبناءً على متوسط حركة السيارات الشخصية في اليابان (24 كيلومتر يوميًا)، فإن 70% من السيارات في اليابان يمكنها الاعتماد بشكل كامل على الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة [7].

2. نموذج لايت يير (Lightyear):

  • في عام 2019، كشفت شركة لايت يير الهولندية عن نموذج سيارة (Lightyear One) [8]، والذي صمم بالكامل لتعظيم كفاءة الخلايا الكهروضوئية.
  • التصميم: تتميز السيارة بتصميم انسيابي يقلل من مقاومة الهواء، وتمتد الخلايا الكهروضوئية على كامل سقف السيارة وغطاء المحرك.
  • كفاءة الخلايا وقدرة الألواح: تصل كفاءة الخلايا المستخدمة إلى 20%، وقدرة الألواح إلى 1000 واط.
  • نطاق السير الإضافي: تتوقع الشركة أن يبلغ نطاق السير الإضافي للسيارة باستخدام الطاقة الشمسية ما بين 7000 إلى 10000 كيلومتر سنويًا، بناءً على مستويات الإشعاع الشمسي في هولندا.

3. نموذج أبتيرا (Aptera):

  • في عام 2020، كشفت شركة أبتيرا الأمريكية عن نموذج سيارة (Aptera) [9]، والذي يتميز أيضًا بتصميم فريد يركز على الكفاءة.
  • التصميم: تصميم انسيابي يقلل من مقاومة الهواء، مع خلايا كهروضوئية تمتد على كامل سقف السيارة وغطاء المحرك.
  • كفاءة الخلايا وقدرة الألواح: تصل كفاءة الخلايا المستخدمة إلى 24%، وقدرة الألواح إلى 700 واط.
  • نطاق السير الإضافي: تتوقع الشركة أن يبلغ نطاق السير الإضافي للسيارة باستخدام الطاقة الشمسية ما بين 17700 إلى 25700 كيلومتر سنويًا، بناءً على مستويات الإشعاع الشمسي في جنوب كاليفورنيا.

تظهر هذه النماذج المبدئية التطور السريع في تقنية VIPV، حيث تسعى الشركات إلى تجاوز القيود الحالية وتقديم حلول أكثر فعالية لزيادة نطاق سير المركبات الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية.

الخلاصة

تعتبر الخلايا الكهروضوئية المتكاملة مع المركبات (VIPV) تقنية واعدة للغاية ولها القدرة على إحداث تحول كبير في قطاع النقل نحو الاستدامة. مع التطور المستمر في كفاءة الخلايا الشمسية، وخاصة الخلايا المرنة وخفيفة الوزن، من المتوقع أن تشهد هذه التقنية نموًا كبيرًا في السنوات القادمة. على الرغم من التحديات الحالية المتعلقة بمحدودية المساحة المتاحة على المركبات، والحاجة إلى خلايا ذات كفاءة أعلى وموثوقية أكبر في ظل الظروف التشغيلية المتغيرة، إلا أن الجهود البحثية والتطويرية المكثفة تبشر بمستقبل مشرق لهذه التقنية. يمكن لـ VIPV أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من المركبات المستقبلية، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتخفيف الضغط على الشبكات الكهربائية، وتعزيز التنقل المستدام على مستوى عالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى