
مقدمة
إذا كنت تبحث عن المحرك الكهربائي الأكثر انتشارًا وموثوقية في العالم، فلا تنظر أبعد من محرك الحث ذي القفص السنجابي. إنه المحرك الذي يدير عالمنا من خلف الكواليس؛ فهو يشغل مضخات المياه، ومراوح التهوية، وأحزمة النقل في المصانع، والضواغط في الثلاجات ومكيفات الهواء، وحتى الغسالات في منازلنا. غالبًا ما يُطلق عليه “حصان العمل” في العالم الصناعي بسبب متانته، وبساطته، وكفاءته، وتكلفته المنخفضة. تهدف هذه المقالة إلى شرح المبادئ الأساسية، والتكوين، ومبدأ التشغيل، ومزايا وعيوب هذا المحرك الاستثنائي.
ما هو محرك الحث ذو القفص السنجابي؟
محرك الحث ذو القفص السنجابي هو نوع من المحركات الكهربائية ذات التيار المتردد (AC) حيث يتم إنتاج التيار الكهربائي في الجزء الدوار (المُسَمَّى: Rotor) عن طريق الحث الكهرومغناطيسي من المجال المغناطيسي الدوار للجزء الثابت (المُسَمَّى: Stator)، وليس من خلال توصيل كهربائي مباشر. يأتي اسم “القفص السنجابي” من شكل الدوار، الذي يشبه العجلة الدوّارة التي كانت تُستخدم في أقفص السناجب.
المكونات الأساسية
يتكون المحرك من جزأين رئيسيين:
- الجزء الثابت (Stator):
- هو الجزء الثابت من المحرك. يتكون من مجموعة من الصفائح المعدنية الرقيقة المعزولة عن بعضها لتقليل فقد التيارات الدوامية.
- يحتوي على أخاديد يتم ترتيب ملفاتها (أو اللفات) بزوايا كهربائية محددة.
- عند تغذية هذه اللفات بتيار متردد ثلاثي الأطوار، ينتج عنها مجال مغناطيسي دوّار (RMF). يدور هذا المجال بسرعة ثابتة تسمى “السرعة التزامنية” (Synchronous Speed)، والتي تحسب بالمعادلة:
Ns = (120 * f) / Pحيث:Ns= السرعة التزامنية (لفة/دقيقة).f= التردد (هرتز).P= عدد الأقطاب (Poles).
- الدوار (Rotor):
- هو الجزء الدوّار من المحرك، موضوع داخل الجزء الثابت مع وجود فجوة هوائية صغيرة جدًا بينهما.
- يتكون أيضًا من صفائح معدنية مكدسة، ولكن بأخاديد موضوعة على محيطها.
- تحتوي هذه الأخاديد على قضبان موصلة (عادة من النحاس أو الألومنيوم) قصيرة ومتصلة من كلا الطرفين بحلقات توصيل (End Rings). هذا التكوين بالضبط هو ما يشبه “القفص السنجابي”.
- ملاحظة حاسمة: لا يوجد أي توصيل كهربائي خارجي للدوار. التيارات فيه مستحثة تمامًا من المجال المغناطيسي للجزء الثابت.
مبدأ التشغيل (كيف يعمل؟)
يعمل المحرك بناءً على مبدأين فيزيائيين أساسيين: الحث الكهرومغناطيسي وقانون لينز.
- إنشاء المجال المغناطيسي الدوار (RMF): عندما يمر تيار متردد ثلاثي الأطوار في لفات الجزء الثابت، ينشأ مجال مغناطيسي دوّار. تدور هذا المجال بسرعة تزامنية (
Ns). - الحث في الدوار: يقطع هذا المجال المغناطيسي الدوار قضبان الدوار (الموصلة) الثابتة. وفقًا لقانون فاراداي للحث، فإن تغير التدفق المغناطيسي هذا سيحث قوة دافعة كهربائية (جهدًا) في قضبان الدوار.
- توليد التيار والعزم: نظرًا لأن قضبان الدوار قصيرة الدائرة (متصلة بحلقات النهاية)، فإن الجهد المستحث سيتسبب في تدفق تيار كبير في القضبان. وفقًا لقانون لينز، سيعارض التيار المستحث السبب الذي أنتجه. السبب هنا هو الحركة النسبية بين المجال والدوار. لذلك، لكي “يعارض” الدوار هذا التغير، سيبدأ في الدوران لمحاولة اللحاق بالمجال المغناطيسي الدوار.
- الانزلاق (Slip): السرعة الفعلية للدوار (
N) تكون دائمًا أقل قليلاً من السرعة التزامنية (Ns). هذا الاختلاف في السرعة ضروري جدًا ويسمى *“الانزلاق” (Slip)*. إذا دار الدوار بنفس سرعة المجال (السرعة التزامنية)، فلن يكون هناك قطع للمجال المغناطيسي، وبالتالي لن يتم حث أي تيار، وسيتلاشى العزم، وسيبطئ الدوار.- يتم حساب الانزلاق كنسبة مئوية:
s = [(Ns - N) / Ns] * 100% - يعتمد مقدار العزم الذي ينتجه المحرك بشكل مباشر على مقدار الانزلاق.
- يتم حساب الانزلاق كنسبة مئوية:
خصائص العزم والسرعة
منحنى عزم-السرعة لمحرك القفص السنجابي هو أحد أهم خصائصه:
- عزم البدء (Starting Torque): العزم عند السرعة صفر. يمكن تصميم المحرك بعزم بدء عالٍ أو منخفض حسب التطبيق.
- عزم السحب (Pull-Up Torque): أدنى عزم ينتجه المحرك أثناء تسارعه من السكون إلى السرعة المقننة.
- عزم الانهيار (Breakdown Torque): أقصى عزم يمكن للمحرك إنتاجه قبل أن ينخفض عزمه بشكل حاد مع زيادة السرعة.
- عزم الحمل المقنن (Rated Torque): العزم الذي يصمم المحرك لتوليده عند سرعته المقننة وهو يعمل بشكل مستمر.
المزايا والعيوب
المزايا:
- بسيط ومتين: تصميم الدوار قوي للغاية وخالٍ几乎 من الأعطال الميكانيكية. لا توجد فرشاة كربونية (Brushed) أو حلقات انزلاقية (Slip Rings) تتآكل وتحتاج إلى صيانة.
- منخفض التكلفة: تصميمه البسيط يجعله رخيصًا في التصنيع.
- كفاءة عالية: خاصة عند التحميل المقنن.
- ثابت وموثوق: بسبب قلة الأجزاء المعرضة للتآكل.
- سرعة شبه ثابتة: سرعته لا تتغير كثيرًا مع تغير الحمل (ضمن نطاق التشغيل العادي).
العيوب:
- تيار بدء عالٍ: يستهلك محرك القفص السنجابي تيارًا عند البدء يصل إلى 5-8 أضعاف التيار المقنن. هذا يمكن أن يسبب هبوطًا في جهد الشبكة الكهربائية.
- تحكم محدود في السرعة: في السابق، كانت سرعته ثابتة تقريبًا تعتمد على التردد وعدد الأقطاب. ولكن مع ظهور مغيرات السرعة (VFDs)، أصبح هذا العيب أقل أهمية، حيث يمكن الآن التحكم في سرعته بسلاسة.
- عزم بدء منخفض في التصميمات القياسية: بعض التصميمات الأساسية لها عزم بدء منخفض، مما لا يناسب التطبيقات التي تتطلب بدءًا تحت حمل ثقيل.
التطبيقات
بسبب مزاياه، فإن تطبيقاته لا حصر لها تقريبًا، منها:
- المراوح والمنافيخ ومضخات الطرد المركزي (أكثر التطبيقات شيوعًا).
- أنظمة النقل والمصاعد.
- الآلات الصناعية (مخارط، آلات طحن، مناشير).
- الأجهزة المنزلية (غسالات، مجففات، غسالات صحون، ثلاجات).
- أدوات الطاقة (مناشير، مثاقب).
محرك الحث ذو القفص السنجابي هو تحفة هندسية تجسد مبدأ “البساطة هي الذروة”. لقد ظل التصميم الأساسي دون تغيير جوهري لأكثر من قرن، وهو دليل على فعاليته وكفاءته. بينما توجد أنواع أخرى من المحركات لمهام متخصصة (مثل المحركات التزامنية أو محركات التيار المستمر)، يظل محرك القفص السنجابي الخيار الأول والأكثر اقتصاداية للغالبية العظمى من التطبيقات الصناعية والتجارية، مما يجعله حقًا العمود الفقري غير المرئي للصناعة الحديثة.





