الطاقة المتجددة

أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية ودورها في مكافحة زحف الرمال

تُعد حركة الرمال وزحف الكثبان الرملية ظاهرة طبيعية شائعة في المناطق الصحراوية والجافة حول العالم. ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة، التي تتفاقم بفعل التغيرات المناخية والأنشطة البشرية، تتسبب في مشاكل بيئية واقتصادية واجتماعية جسيمة. فالعواصف الرملية يمكن أن تنتقل لمئات الكيلومترات، مؤثرة على جودة الهواء، الصحة العامة، البنية التحتية، والنشاطات الزراعية والصناعية.

في مواجهة هذه التحديات، برزت أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV) كحل مبتكر ومتعدد الأوجه، ليس فقط لتوليد الطاقة النظيفة، بل أيضاً للمساهمة بفعالية في التحكم بحركة الرمال وتثبيت التربة في البيئات الصحراوية. هذه المقالة ستتعمق في دور هذه الأنظمة، مستعرضة آلياتها، وأمثلة لمشاريع رائدة في هذا المجال، وكيف يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المناطق المتأثرة بزحف الرمال.

دور أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الحد من حركة الرمال

تتجاوز فوائد تركيب مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المناطق الصحراوية مجرد توليد الكهرباء النظيفة. فبشكل غير مباشر، تلعب هذه الأنظمة دوراً حيوياً في التخفيف من حدة حركة الرمال وتثبيت التربة، وذلك من خلال آليتين رئيسيتين:

1.تقليل سرعة الرياح الأرضية: تعمل الألواح الشمسية، عند تركيبها على مساحات واسعة، كحواجز طبيعية للرياح. فهي تقلل من سرعة الرياح القريبة من سطح الأرض، مما يحد من قدرة الرياح على حمل جزيئات الرمل وتشكيل الكثبان الرملية. هذا التأثير يشبه إلى حد كبير دور مصدات الرياح الطبيعية أو الاصطناعية، ولكنه يأتي كفائدة إضافية من بنية مصممة أساساً لإنتاج الطاقة.

2.زيادة الرطوبة في التربة وخفض درجة حرارة الأرض: يؤدي وجود الألواح الشمسية إلى تظليل مساحات واسعة من الأرض تحتها. هذا التظليل يقلل من تعرض التربة لأشعة الشمس المباشرة، مما يؤدي إلى خفض درجة حرارة سطح الأرض. انخفاض درجة الحرارة يقلل بدوره من معدل تبخر الرطوبة من التربة، وبالتالي تزداد مستويات الرطوبة فيها. زيادة الرطوبة تساعد على تماسك جزيئات الرمل، مما يجعلها أقل عرضة للحركة بفعل الرياح. كما أن البيئة الأكثر رطوبة يمكن أن تدعم نمو بعض أنواع النباتات المقاومة للجفاف، والتي تساهم بدورها في تثبيت التربة بشكل أكبر، مما يخلق دورة إيجابية تعزز من استقرار النظام البيئي الصحراوي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم مشاريع الطاقة الشمسية في تحسين جودة الهواء عن طريق تقليل الغبار المحمول بالرياح، مما ينعكس إيجاباً على صحة السكان والأنظمة البيئية المحيطة. هذه الفوائد البيئية المزدوجة تجعل من مزارع الطاقة الشمسية استثماراً استراتيجياً لمكافحة التصحر وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

مشاريع رائدة في الصين للتحكم بحركة الرمال باستخدام الطاقة الشمسية

تُعد الصين في طليعة الدول التي تبنت حلول الطاقة الشمسية لمكافحة زحف الرمال، وذلك نظراً لاتساع مساحاتها الصحراوية وتأثرها المتزايد بهذه الظاهرة. وقد تم بناء العديد من المشاريع الضخمة التي تجمع بين توليد الطاقة النظيفة ومكافحة التصحر، ومن أبرز هذه المشاريع:

1. مشروع جونما “الحصان الجميل” للطاقة الشمسية والتحكم في الرمال بقدرة 300 ميجاواط

يقع هذا المشروع الطموح في صحراء كوبوتشي، التي تُعد سابع أكبر صحراء في الصين. تتميز صحراء كوبوتشي بوفرة استثنائية في الإشعاع الشمسي، حيث يتجاوز متوسط الساعات المشرقة السنوية فيها 3180 ساعة، مما يوفر ظروفاً مثالية لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق.

تم تنفيذ مشروع جونما، الذي يعني “الحصان الجميل” باللغة الصينية، من قبل شركة استثمارات الطاقة الحكومية الصينية (SPIC). استخدمت الشركة في هذا المشروع ما يقارب 196 ألف لوح شمسي كهروضوئي. اللافت في هذا المشروع هو التصميم الفني للألواح، حيث تم تركيبها بشكل يشكل صورة حصان راكض جميل عند النظر للمشروع من الأعلى، مما يضيف بعداً جمالياً وفنياً للمشروع البيئي.

من الجدير بالذكر أن شركة هواوي (Huawei)، الرائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا، قامت بتزويد هذا المشروع بحلولها المتقدمة من العواكس السلسلية (String Inverters)، مما يضمن كفاءة عالية في تحويل الطاقة المنتجة من الألواح الشمسية إلى كهرباء قابلة للاستخدام. يمثل هذا المشروع نموذجاً رائداً لكيفية دمج توليد الطاقة المتجددة مع جهود مكافحة التصحر، وتحقيق فوائد بيئية واقتصادية متعددة.

2. مشروع صحراء كوبوتشي للطاقة الشمسية والتحكم في الرمال بقدرة 2 جيجاواط

يُعد مشروع صحراء كوبوتشي للطاقة الشمسية والتحكم في الرمال بقدرة 2 جيجاواط واحداً من أضخم المشاريع من نوعها في العالم، ويقع أيضاً في صحراء كوبوتشي بمنطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم. تم ربط هذا المشروع الضخم بالشبكة الكهربائية وتشغيله في شهر ديسمبر من العام الماضي، 2023، مما يمثل إنجازاً كبيراً في مجال الطاقة المتجددة ومكافحة التصحر.

الهدف الرئيسي لهذا المشروع يتجاوز مجرد توليد الكهرباء؛ فهو يهدف إلى استعادة وإدارة مساحة هائلة تبلغ 16470 فداناً من الأراضي الصحراوية، مع تقليل نقل الرمال إلى النهر الأصفر بمقدار 2 مليون طن سنوياً. هذا الجانب البيئي للمشروع يبرز الأهمية الاستراتيجية لدمج مشاريع الطاقة الشمسية في جهود مكافحة التصحر وحماية الموارد المائية.

يقدر متوسط الإنتاج السنوي من الكهرباء لمشروع كوبوتشي للتحكم في الرمال بالطاقة الكهروضوئية بحوالي 4.1 تيراواط ساعة (4.1 مليار كيلوواط ساعة). هذا الإنتاج الهائل يعادل حرق 1.25 مليون طن من الفحم، مما يساهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 3.94 مليون طن سنوياً. هذه الأرقام تؤكد الدور المحوري للمشروع في تقليل البصمة الكربونية للصين والمساهمة في تحقيق أهدافها المناخية.

تُظهر هذه المشاريع الصينية الرائدة كيف يمكن لأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية أن تكون أداة فعالة ومتكاملة لتحقيق أهداف متعددة: توليد الطاقة النظيفة، مكافحة التصحر، حماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الصحراوية.

الخلاصة

تُظهر التجارب والمشاريع الرائدة في الصين، مثل مشروع جونما ومشروع صحراء كوبوتشي، أن أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية ليست مجرد مصادر للطاقة النظيفة، بل هي أيضاً أدوات فعالة ومتعددة الأوجه لمكافحة التحديات البيئية الكبرى مثل زحف الرمال والتصحر. من خلال تقليل سرعة الرياح الأرضية وزيادة رطوبة التربة، تساهم هذه المشاريع في تثبيت الكثبان الرملية وخلق بيئات أكثر استقراراً.

إن دمج توليد الطاقة المتجددة مع جهود حماية البيئة يمثل نموذجاً للتنمية المستدامة يمكن تطبيقه في مناطق أخرى حول العالم تعاني من تحديات مماثلة. ومع استمرار التطور التكنولوجي في قطاع الطاقة الشمسية، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من الحلول المبتكرة التي لا تقتصر على تلبية احتياجاتنا من الطاقة فحسب، بل تساهم أيضاً في استعادة النظم البيئية وحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى