الطاقة المتجددة

ألواح N-type: الثورة القادمة في صناعة الطاقة الشمسية

شهدت صناعة الطاقة الشمسية تطورات متسارعة على مدى العقد الماضي، مدفوعة بالبحث المستمر عن حلول أكثر كفاءة واقتصادية لتوليد الكهرباء من الشمس. لطالما كانت خلايا السيليكون البلوري هي العمود الفقري لهذه الصناعة، ومع كل جيل جديد من التقنيات، تزداد كفاءة الألواح وتتحسن خصائصها التشغيلية. في السنوات الأخيرة، برزت تقنية N-type كلاعب رئيسي من المتوقع أن تسيطر على سوق الألواح الشمسية في المستقبل القريب، متجاوزةً التقنيات السائدة حالياً مثل PERC.

تهدف هذه المقالة إلى استكشاف التحول من تقنيات خلايا السيليكون التقليدية إلى تقنيات N-type المتقدمة. سنقوم بتحليل الأسباب التي تدفع هذا التحول، مع التركيز على المزايا التقنية والاقتصادية التي تقدمها خلايا N-type، وخاصة تقنيتي TOPCon و HJT، والتي تُعدان في طليعة الابتكار في هذا المجال. كما سنتناول الفروقات الجوهرية بين هذه التقنيات من حيث التصنيع والأداء، ونلقي نظرة على التوقعات المستقبلية لسيطرة ألواح N-type على السوق العالمية.

تطور تقنيات الخلايا الشمسية: من BSF إلى PERC

لطالما كانت الكفاءة والتكلفة محركين رئيسيين للابتكار في صناعة الطاقة الشمسية. في البداية، كانت خلايا السيليكون تعتمد بشكل كبير على تقنية طبقة الحقل الخلفي (Back Surface Field – BSF)، والتي كانت توفر مستوى مقبولاً من الكفاءة.

صعود تقنية PERC

بدأ التحول الكبير مع الظهور التجاري لخلايا البيرك (Passivated Emitter and Rear Contact – PERC) حوالي عام 2012. تمثل تقنية PERC تطوراً مهماً على خلايا BSF التقليدية، حيث أضافت طبقة تخميل خلفية (passivation layer) وعاكس ضوئي (light reflector) إلى الجزء الخلفي من الخلية. هذه الإضافات ساهمت في:

•تقليل إعادة التركيب (Recombination): الطبقة الخلفية تقلل من فقدان الإلكترونات عند السطح الخلفي للخلية، مما يزيد من عدد الإلكترونات التي تساهم في توليد التيار الكهربائي.

•زيادة امتصاص الضوء: العاكس الضوئي يعيد توجيه الفوتونات التي لم يتم امتصاصها في المرة الأولى إلى داخل الخلية، مما يزيد من فرصة امتصاصها وتوليد الكهرباء.

نتيجة لهذه التحسينات، شهدت خلايا PERC ارتفاعاً سريعاً في حصتها السوقية، لتصبح التقنية السائدة في الصناعة. بحلول عام 2021، بلغت حصة PERC في السوق حوالي 80-85%، مما يؤكد هيمنتها على إنتاج الخلايا الشمسية.

حدود تقنية PERC والحاجة إلى بدائل

على الرغم من نجاحها الكبير، فإن كفاءة الألواح المصنعة بتقنية PERC، والتي تصل حالياً إلى حوالي 21% ومن المتوقع أن ترتفع إلى 22.5% في العقد القادم، تقترب من حدودها النظرية. ترى العديد من الشركات أن تحقيق زيادات إضافية في الكفاءة باستخدام تقنية PERC يتطلب استثمارات رأسمالية عالية جداً، مما يجعلها غير مجدية اقتصادياً. هذا الواقع دفع الصناعة للبحث عن تقنيات جديدة يمكنها تجاوز هذه الحدود وتقديم قفزات نوعية في الكفاءة بتكلفة معقولة، وهنا يأتي دور تقنيات N-type المتقدمة.

تكنولوجيا N-type: الجيل القادم من الخلايا الشمسية

تُعد تكنولوجيا N-type بمثابة قفزة نوعية في عالم الخلايا الشمسية، حيث تقدم حلاً لمحدودية كفاءة خلايا PERC وتفتح آفاقاً جديدة لتحقيق مستويات أعلى من الأداء. تعتمد خلايا N-type على استخدام رقائق سيليكون من النوع N (مطعمة بالفسفور)، على عكس خلايا P-type التقليدية (المطعمة بالبورون). هذا الاختلاف الأساسي يمنح خلايا N-type مزايا جوهرية:

•مقاومة أفضل للتدهور الناتج عن الضوء (LID): خلايا N-type أقل عرضة للتدهور الناتج عن التعرض الأولي لأشعة الشمس، مما يضمن أداءً أكثر استقراراً على المدى الطويل.

•عمر افتراضي أطول: بفضل مقاومتها العالية للشوائب وتأثيرات التدهور، تتمتع خلايا N-type بعمر تشغيلي أطول.

•كفاءة أعلى: تسمح خصائصها الكهربائية بتحقيق كفاءات تحويل أعلى للضوء إلى كهرباء.

تتضمن تكنولوجيا N-type عدة تقنيات فرعية، كل منها يهدف إلى تعزيز كفاءة الخلايا الشمسية الكهروضوئية بطرق مختلفة. أبرز هذه التقنيات هي:

1.تقنية PERT (Passivated Emitter Rear Totally Diffused): تُعد هذه التقنية تطويراً لخلايا PERC، حيث يتم تحسين التخميل الخلفي للخلية. ومع ذلك، فإن كفاءتها لا تزال قريبة من كفاءة خلايا PERC التقليدية، مما يحد من انتشارها كبديل رئيسي.

2.تقنية IBC (Integrated Back Contact): تتميز هذه التقنية بوجود جميع التوصيلات الكهربائية على السطح الخلفي للخلية، مما يزيل الحاجة إلى خطوط معدنية على السطح الأمامي. هذا التصميم يزيد من مساحة امتصاص الضوء ويحسن الكفاءة بشكل ملحوظ. ومع ذلك، فإن عملية تصنيع خلايا IBC معقدة ومكلفة، مما يجعلها أقل جاذبية للإنتاج الضخم.

3.تقنية TOPCon (Tunnel Oxide Passivated Contact): تُعتبر TOPCon حالياً واحدة من أكثر التقنيات الواعدة ضمن فئة N-type. تعتمد على إضافة طبقة رقيقة جداً من أكسيد الأنفاق (tunnel oxide) وطبقة سيليكون مطعمة بشكل كثيف على السطح الخلفي للخلية. هذه الطبقات تعمل على تخميل السطح وتقليل إعادة التركيب بشكل فعال، مما يؤدي إلى كفاءات عالية جداً.

4.تقنية HJT (Heterojunction): تجمع تقنية HJT بين مزايا خلايا السيليكون البلوري وتقنيات الأغشية الرقيقة. يتم فيها ترسيب طبقات رقيقة جداً من السيليكون غير المتبلور (amorphous silicon) على جانبي رقاقة السيليكون البلوري. هذا الدمج يقلل بشكل كبير من إعادة التركيب السطحي ويسمح بتحقيق كفاءات تحويل عالية جداً، خاصة في ظروف الإضاءة المنخفضة ودرجات الحرارة المرتفعة.

بينما تُظهر تقنيتا PERT و IBC بعض القيود من حيث الكفاءة أو التعقيد التصنيعي، من المتوقع أن تحتدم المنافسة الرئيسية في سوق ألواح N-type بين تقنيتي TOPCon و HJT، حيث تقدم كل منهما مزايا فريدة تجعلها مرشحاً قوياً للهيمنة على سوق الخلايا الشمسية في السنوات القادمة.

مقارنة مفصلة بين تقنيتي TOPCon و HJT: المنافسة على صدارة السوق

مع تزايد الاهتمام بتقنيات N-type، أصبحت المنافسة بين TOPCon و HJT هي المحور الرئيسي في تطور صناعة الألواح الشمسية. كلتا التقنيتين تقدمان كفاءات عالية ومزايا أداء متفوقة مقارنة بـ PERC، ولكن تختلفان في مسارات التصنيع والخصائص التشغيلية. سنقوم هنا بمقارنة شاملة بينهما:

من الناحية التصنيعية

تُعد عملية التصنيع عاملاً حاسماً في تحديد التكلفة النهائية للخلية وقابلية التوسع في الإنتاج. تظهر هنا فروقات جوهرية بين TOPCon و HJT:

•ترقية خطوط إنتاج PERC: تتميز تقنية TOPCon بميزة تنافسية كبيرة في هذا الجانب. يمكن ترقية خطوط الإنتاج الحالية لخلايا PERC لإنتاج خلايا TOPCon بسرعة وبتكلفة اقتصادية مجدية. يعود ذلك إلى تشابه العديد من خطوات عملية إنتاج PERC مع عملية إنتاج TOPCon. هذه المرونة تسمح للمصانع الكبيرة التي تمتلك بنية تحتية لإنتاج PERC بالانتقال السلس إلى TOPCon، مما يقلل من الحاجة إلى استثمارات رأسمالية ضخمة في معدات جديدة بالكامل.

•خطوط إنتاج جديدة لـ HJT: على النقيض، يتطلب إنتاج خلايا HJT خطوط إنتاج جديدة بالكامل. هذا يعني استثمارات أولية أعلى للمصانع التي ترغب في تبني هذه التقنية. لذلك، نلاحظ أن المصانع العمودية (Vertical Manufacturers) التي لديها بالفعل خطوط إنتاج PERC تتجه نحو TOPCon للاستفادة من استثماراتها الحالية لأطول فترة ممكنة. بينما تتجه المصانع الجديدة أو الشركات التي تسعى للتميز إلى استخدام HJT، حيث لا تتقيد بالبنية التحتية القديمة ويمكنها بناء خطوط إنتاج محسّنة من البداية.

•تعقيد عملية التصنيع: على الرغم من أن خلايا HJT تتطلب خطوط إنتاج جديدة، إلا أن عملية تصنيعها أبسط من حيث عدد الخطوات. تتضمن عملية تصنيع HJT أربع خطوات رئيسية فقط، مقارنة بتسع خطوات رئيسية لإنتاج خلايا TOPCon وسبع خطوات رئيسية لخلايا PERC التقليدية. ومع ذلك، فإن بساطة الخطوات لا تعني بالضرورة سهولة التصنيع؛ فعملية إنتاج HJT تتطلب دقة وحرصاً أكبر خلال كل خطوة، مما قد يؤدي إلى وقت تصنيع أطول وتكاليف أعلى في بعض الأحيان، خاصة فيما يتعلق بالتحكم في الجودة والتعامل مع المواد الحساسة.

من ناحية الأداء

تتفوق كلتا التقنيتين، TOPCon و HJT، على خلايا PERC في عدة جوانب رئيسية تتعلق بالأداء، مما يجعلهما خيارات أكثر جاذبية للمشاريع الشمسية الحديثة:

1.معامل درجة الحرارة (Power Temperature Coefficient): تتميز خلايا N-type بشكل عام، بما في ذلك TOPCon و HJT، بمعامل درجة حرارة منخفض مقارنة بخلايا PERC. هذا يعني أن أداءها يتأثر بشكل أقل بارتفاع درجات الحرارة. في البيئات الحارة، حيث ترتفع درجة حرارة الألواح بشكل كبير، تحافظ خلايا N-type على كفاءة أعلى، مما يؤدي إلى إنتاج طاقة أكبر على مدار العام.

2.التدهور الناتج عن التعرض لأشعة الشمس (Light-induced Degradation – LID): تُعد هذه إحدى أبرز مزايا خلايا N-type. يبلغ التدهور الناتج عن التعرض لأشعة الشمس (LID) ما يقارب الصفر لخلايا N-type. هذا يعني أن الألواح لا تفقد جزءاً كبيراً من قدرتها في السنة الأولى من التشغيل بسبب التعرض للضوء، على عكس خلايا PERC التي قد تشهد انخفاضاً يصل إلى 2% في السنة الأولى. هذا الاستقرار في الأداء يضمن عوائد طاقة أعلى على المدى الطويل.

3.الانخفاض السنوي في القدرة (Annual Degradation): تتمتع ألواح وخلايا N-type بانخفاض سنوي أقل في القدرة يتراوح بين -0.2% إلى -0.4%، مقارنة بانخفاض سنوي يتراوح بين -0.45% إلى -0.55% لألواح تقنية PERC. هذا يعني أن ألواح N-type تحافظ على قدرتها الإنتاجية لفترة أطول، مما يزيد من العمر الافتراضي للمشروع ويحسن من جدواه الاقتصادية.

4.الكفاءة (Efficiency): كما ذكرنا سابقاً، فإن الهدف الأساسي من تطوير تقنيات N-type هو زيادة الكفاءة. تقدم كل من TOPCon و HJT كفاءات تحويل أعلى بكثير من PERC، مع قدرة على تجاوز حاجز 24% في الخلايا المختبرية، وتوقعات بوصولها إلى مستويات أعلى في الإنتاج التجاري. هذه الكفاءة العالية تعني توليد المزيد من الكهرباء من نفس المساحة، مما يقلل من المساحة المطلوبة للمشاريع الشمسية ويخفض التكاليف الإجمالية للنظام.

الخلاصة: مستقبل مشرق لألواح N-type

يمثل التحول نحو ألواح N-type نقطة تحول حاسمة في صناعة الطاقة الشمسية. فبعد سنوات من هيمنة تقنية PERC، أصبحت الحاجة إلى تجاوز حدود الكفاءة الحالية أمراً ملحاً لتحقيق أهداف الطاقة المتجددة العالمية. وقد أثبتت تقنيات N-type، وخاصة TOPCon و HJT، قدرتها على تقديم أداء متفوق وكفاءات أعلى، مما يجعلها الخيار المفضل للمستقبل.

تُظهر المنافسة بين TOPCon و HJT ديناميكية السوق، حيث تستفيد TOPCon من سهولة ترقية خطوط إنتاج PERC الحالية، بينما تقدم HJT بساطة في التصنيع وكفاءة ممتازة في ظروف التشغيل المختلفة. بغض النظر عن التقنية التي ستسيطر في النهاية، فإن الاتجاه العام يشير بوضوح إلى أن ألواح N-type ستصبح المعيار الجديد في الصناعة خلال السنوات الخمس القادمة.

هذا التطور لا يعني فقط ألواحاً أكثر كفاءة وإنتاجية، بل يساهم أيضاً في خفض التكلفة الإجمالية للطاقة الشمسية (LCOE)، مما يجعلها أكثر تنافسية وجاذبية كمصدر رئيسي للطاقة. ومع استمرار الابتكار والبحث والتطوير، يمكننا أن نتوقع المزيد من التحسينات في أداء الخلايا الشمسية، مما يعزز دور الطاقة الشمسية كركيزة أساسية لمستقبل الطاقة النظيفة والمستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى