أنظمة التأريض

التأريض في الشبكات الكهربائية: الغاية، الطرق، والقياس

يُعد نظام التأريض (Earthing / Grounding) ركيزة أساسية في تصميم وتركيب أي شبكة كهربائية، فهو ليس مجرد قضيب معدني يُدفن في الأرض، بل نظام هندسي معقد يهدف في المقام الأول إلى حماية الأرواح والمعدات. يمكن تشبيهه بجهاز المناعة في الجسم البشري؛ لا نلاحظ أهميته إلا عندما يفشل في العمل، وعندها تكون العواقب وخيمة.

الغاية الأساسية من التأريض: لماذا نؤرض؟

  1. الحماية من الصدمات الكهربائية:
    • المبدأ: توفير مسار ذو مقاومة منخفضة للتيار الكهربائي لتسريب التيار الناتج عن أعطال التماس الأرضي (Earth Fault) – مثل لمس سلك حي لغطاء معدني – بشكل آمن إلى الأرض. يمنع ذلك مرور التيار عبر جسم الإنسان، الذي يمثل مسارًا ذا مقاومة أعلى.
    • التطبيق: عند حدوث عطل في جهاز كهربائي (مثل غسالة أو ثلاجة) يؤدي إلى ملامسة التيار للهيكل المعدني، يقوم نظام التأريض بتسريب التيار إلى الأرض، مما يتسبب في قفز القاطع الكهربائي (Circuit Breaker) أو صهر المصهر (Fuse) فورًا، معزولاً بذلك مصدر الخطر.
  2. ضمان التشغيل السليم لأنظمة الحماية:
    • المبدأ: يعتمد عمل القواطع الكهربائية وأجهزة الحماية من التسرب الأرضي (Earth Leakage Circuit Breakers – ELCB أو RCDs) على كشف التيار المتسرب إلى الأرض. بدون نظام تأريض فعال، لا يوجد مسار لهذا التيار، وبالتالي لن تعمل هذه الأجهزة كما هو مُصمم، مما يفقدها فاعليتها في الحماية.
  3. حماية المعدات والأجهزة الكهربائية:
    • المبدأ: يحد التأريض من ارتفاع الجهد الكهربائي الناتج عن صواعق البرق أو ظاهرة “التيار العابر” (Transient Voltages) الناجمة عن مفاتيح الأحمال الكبيرة أو أعطال الشبكة. يقوم بتوجيه هذه الجهود العالية الخطيرة إلى الأرض بدلاً من المرور عبر المعدات الحساسة، مما يمنع تلفها.
  4. تثبيت الجهد المرجعي:
    • المبدأ: تعتبر الأرض “مستوى جهد صفري” ثابتًا. في الأنظمة الكهربائية، خاصة أنظمة التيار المستمر (DC) والإلكترونيات، يستخدم التأريض كنقطة مرجعية مشتركة لجميع الفولتيات في الدائرة، مما يضمن استقرار التشغيل ومنع الضوضاء الكهربائية.

طرق وأنظمة التأريض الرئيسية

يختلف نظام التأريض باختلاف تطبيق الشبكة الكهربائية (نقل، توزيع، منشآت). فيما يلي أكثر الأنظمة شيوعًا:

  1. التأريض الكيميائي (Chemical Earthing):
    • الوصف: هذه الطريقة متطورة وفعالة جدًا. يتم استخدام قضيب تأريض مصنوع من النحاس أو الصلب المجلفن محاط بمواد كيميائية (عادة على شكل معجون أو حبيبات). تعمل هذه المواد على امتصاص الرطوبة من التربة المحيطة والاحتفاظ بها، مما يحسن التوصيلية ويخفض مقاومة الأرض بشكل كبير ومستقر حتى في التربة الصخرية أو الجافة.
    • المميزات: مقاومة أرض منخفضة وثابتة، عمر افتراضي طويل، مناسب للتربة ذات التوصيلية الضعيفة.
  2. تأريض القضيب المعدني (Rod Earthing):
    • الوصف: أبسط أشكال التأريض، حيث يتم دق قضيب طويل من النحاس أو الصلب المجلفن عموديًا في الأرض. قد يتم استخدام عدة قضبان متصلة ببعضها للحصول على مقاومة أرض مناسبة.
    • المميزات: منخفض التكلفة وسهل التركيب.
    • العيوب: قد لا يكون فعالاً في التربة الجافة أو الصخرية دون استخدام عدة قضبان.
  3. تأريض الصفيحة المعدنية (Plate Earthing):
    • الوصف: يتم دفن صفيحة معدنية (عادة من النحاس أو الحديد المجلفن) عموديًا في حفرة على عمق لا يقل عن 3 أمتار. تُحشى المنطقة المحيطة بالصفيحة بخليط من الفحم والملح لتحسين التوصيلية.
    • المميزات: يوفر سطحًا أكبر للتلامس مع التربة، مما قد يخفض المقاومة.
    • العيوب: يتطلب حفر مساحة أكبر.

قياس مقاومة الأرض: كيف نتأكد من كفاءة النظام؟

قياس مقاومة الأرض (Earth Resistance) هو فحص دوري ضروري للتأكد من أن النظام يعمل ضمن النطاق الآمن. المقاومة المقبولة تختلف حسب التطبيق (مثلاً، يجب أن تكون أقل من 1 أوم لمحطات المحولات، ويمكن أن تصل إلى 5 أوم للمنازل). الطريقة الأكثر شيوعًا للقياس هي:

طريقة القطبFall-of-Potential) ) باستخدام جهاز قياس الأرض (Earth Tester):

  1. المبدأ: يتم فصل نظام التأريض المراد قياسه (E) عن المنشأة مؤقتًا. ثم يتم تثبيت قطبين مساعدين في الأرض على نفس الخط المستقيم: قطب التيار (C) على مسافة بعيدة (عادة 30-50 متر) وقطب الجهد (P) على مسافة متوسطة (عادة 20-30 متر).
  2. الخطوات:
    • يولد جهاز Earth Tester تيارًا مترددًا معروفًا بين القطب E وقطب التيار C.
    • يقوم الجهاز بقياس فرق الجهد بين القطب E وقطب الجهد P.
    • باستخدام قانون أوم (R = V/I)، يحسب الجهاز مقاومة الأرض تلقائيًا ويعرضها.
  3. العوامل المؤثرة على مقاومة الأرض:
    • نوع التربة: التربة الطينية أفضل من التربة الرملية أو الصخرية.
    • محتوى الرطوبة: تقل المقاومة بزيادة الرطوبة.
    • محتوى الأملاح: زيادة الملوحة تحسن التوصيلية.
    • درجة الحرارة: تتجمد التربة في الشتاء مما يزيد مقاومتها بشكل كبير.
    • عمق وعدد أقطاب التأريض: كلما زاد العمق وعدد الأقطاب، قلت المقاومة.

التأريض ليس رفاهية، بل هو متطلب سلامة غير قابل للمساومة. نظام تأريض مصمم بشكل صحيح ومنفذ بدقة، ويتم فحصه دوريًا، يشكل الدرع الواقي الذي يحمي الأشخاص من خطر الصعق الكهربائي، ويحافظ على سلامة المعدات الباهظة الثمن من الأعطال، ويضمن استقرار واستمرارية التيار الكهربائي. إن الاستثمار في نظام تأريض فعال هو استثمار في السلامة والموثوقية على المدى الطويل.

زر الذهاب إلى الأعلى