حماية الشبكة الكهربائية

فرط الجهد الناتج عن ضربات الصواعق المباشرة: فهم الآلية، المخاطر، وآليات الحماية

تعد ظاهرة الصواعق من أروع وأخطر الظواهر الطبيعية على الإطلاق. فعندما تضرب إحدى تلك الشحنات الكهربائية الهائلة خطوط نقل الطاقة أو المحطات أو حتى المباني القريبة من المنشآت الكهربائية، فإنها تتسبب في توليد فرط جهد (Overvoltage) قصير المدى ولكنه شديد للغاية، قادر على إلحاق أضرار كارثية بالمعدات الكهربائية وتعطيل أنظمة الطاقة. تهدف هذه المقالة إلى شرح مفصل لآلية تكون هذا النوع من فرط الجهد، آثاره المدمرة، واستراتيجيات الحماية المتاحة للتعامل معه.

ما هي ضربة الصاعقة المباشرة؟

تحدث ضربة الصاعقة المباشرة عندما يصبح خط نقل الطاقة أو برج الكهرباء أو أي مكون آخر في النظام الكهربائي مسارًا مباشرًا للتفريغ الكهربائي الهائل من السحابة إلى الأرض. تحمل هذه الضربة تيارًا كهربائيًا ذا مواصفات مذهلة:

  • تيار عالٍ جدًا: يتراوح من بضع كيلو أمبيرات إلى ما يزيد عن 200 كيلو أمبير.
  • معدل ارتفاع شديد الانحدار (Steep Front): يمكن أن يصل التيار إلى ذروته في بضع ميكروثوانٍ فقط.
  • طاقة هائلة: تصل طاقة الضربة إلى مئات الميغاجول.

هذه الخصائص هي التي تجعل من الضربة المباشرة التهديد الأكثر خطورة على الأنظمة الكهربائية.

آلية توليد فرط الجهد

ينشأ فرط الجهد نتيجة لخصائص التيار نفسه وعناصر النظام الكهربائي. يمكن تلخيص الآلية في نقطتين رئيسيتين:

  1. ممانعة (مقاومة) الموجة (Surge Impedance):
    يتمتع كل خط نقل أو كابل بـ “ممانعة موجبة” خاصة به (عادة around 400-500 أوم للخطوط الهوائية). عندما تضرب الصاعقة خطًا ناقلًا، فإن التيار ذا المعدل الارتفاع الشديد لا “يرى” الحمل في نهاية الخط فورًا بسبب السرعة المحدودة لانتشار الموجة الكهرومغناطيسية. بدلاً من ذلك، يواجه التيار ممانعة الموجة للخط أولاً.
    وفقًا لقانون أوم (V = I × Z)، فإن الجهد الناتج عند نقطة الضربة يتحدد بواسطة تيار الصاعقة (I) وممانعة الموجة (Z). معادلة بسيطة توضح حجم الكارثة:
    V = I_lightning × Z_line مثال: إذا كان تيار الصاعقة 50 كيلو أمبير (50,000 أمبير) وممانعة الخط 400 أوم، فإن الجهد المتولد سيكون:
    V = 50,000 A × 400 Ω = 20,000,000 فولت (20 مليون فولت أو 20 كيلو فولت) حتى لو كان خط النقل مصممًا لنقل 132 كيلو فولت، فإن هذا الجهد المؤقت (20 كيلو فولت) يفوق بكثير مستوى العزل الطبيعي للخط والمعدات المتصلة به.
  2. ظاهرة الانعكاس والتردد (Wave Reflection and Oscillation):
    تنتشر موجة فرط الجهد على طول الخط في كلا الاتجاهين بعيدًا عن نقطة الضربة. عندما تصل هذه الموجة إلى نقطة discontinuity، مثل محطة трансформа أو نهاية الخط المفتوحة، فإن جزءًا منها ينعكس عائدًا. يؤدي تداخل الموجات الساقطة والمنعكسة إلى إنشاء أنماط موجية معقدة ورفع الجهد إلى مستويات أعلى даже من القيمة الأولية المحسوبة في بعض النقاط. هذه الظاهرة تجعل فرط الجهد غير منتظم ويصعب التنبؤ به بدقة على كامل طول الخط.

العواقب والتأثيرات المدمرة

فرط الجهد الناتج عن الضربة المباشرة لا يرحم. تشمل آثاره المحتملة:

  • تلف العزل الكهربائي: يؤدي الجهد الهائل إلى اختراق العزل المحيط بالموصلات، داخل المحولات، والمحركات، والمعدات الأخرى. هذا يتسبب في قوس كهربائي (Arc) داخلي يؤدي إلى تدمير المعدة بشكل لا يمكن إصلاحه.
  • تفجير أبراج وخطوط الكهرباء: يمكن للطاقة الحرارية الهائلة المصاحبة للتيار أن تتسبب في انصهار الموصلات أو انفجار العوازل.
  • تعطيل خدمة الطاقة: يؤدي تلف المعدات إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، مما يؤثر على المستهلكين والصناعة.
  • مخاطر على السلامة: يشكل فرط الجهد خطرًا كبيرًا على أي شخص قريب من المعدات المتأثرة بسبب الجهد الخطط والتماسات غير المباشرة.

استراتيجيات الحماية والتخفيف

نظرًا لشدة هذه الظاهرة، لا يوجد حل واحد يمكنه منع الضرر تمامًا، ولكن يتم استخدام مجموعة من الاستراتيجيات للتحكم في التيار وتشتيت الطاقة بأمان:

  1. أسلاك الحماية (Shield Wires) أو أسلاك الأرضي:
    وهي أسلاك مثبتة أعلى بروج وأبراج نقل الطاقة وتكون موصلة بالأرض. وظيفتها هي اعتراض ضربة الصاعقة قبل أن تصل إلى أسلاك الطاقة الناقلة وتحويلها بأمان إلى نظام التأريض في الأبراج. هذا هو خط الدفاع الأول والأهم.
  2. قضبان الصواعق (Lightning Arresters) أو Limiter فرط الجهد (Surge Arrester):
    هذه الأجهزة حيوية للحماية. يتم تركيبها بشكل موازٍ near المعدات الحساسة (مثل المحولات). في الظروف العادية، تكون ذات مقاومة عالية جدًا. ولكن عندما يظهر فرط الجهد، تنخفض مقاومتها فجأة إلى قيمة منخفضة جدًا، مما يوفر مسارًا منخفض المقاومة لتيار الصاعقة ليتدفق إلى الأرض، متجاوزًا المعدات المحمية. بعد أن يمر النبض، تعود إلى حالتها عالية المقاومة تلقائيًا.
  3. نظام التأريض الفعال (Effective Grounding):
    يجب أن يكون لنظام التأريض في الأبراج والمحطات مقاومة أرضي منخفضة جدًا. كلما انخفضت مقاومة الأرضي، انخفض الجهد الذي سترتفع إليه البنية أثناء ضربة الصاعقة، مما يسمح للتيار بالتبدد في الأرض بأمان دون التسبب في فرط جهد خطير.
  4. زيادة مستوى العزل (Insulation Level):
    في المناطق المعرضة للصواعق، يمكن تصميم الخطوط والمحطات بمستويات عزل أعلى (مثل استخدام عوازل ذات طول أكبر أو ذات مواصفات أفضل) لتحمل جهودًا أعلى لفترات قصيرة.

الخلاصة

ضربات الصواعق المباشرة هي مصدر رئيسي لفرط الجهد المدمر في أنظمة الطاقة. ينشأ هذا الجهد الهائل من التفاعل بين التيار ذي المعدل الارتفاع الشديد للصاعقة والممانعة الموجبة لخطوط النقل. عواقبه، من تدمير المعدات إلى انقطاع التيار الكهربائي، شديدة وواسعة النطاق. لا يمكن منع الصواعق، ولكن من خلال نظام حماية متكامل يشمل أسلاك الحماية، وقضبان الصواعق، ونظام تأريض فعال، يمكننا اعتراض مسار التيار، وتحويله، وتشتيت طاقته الهائلة بأمان، مما يحمي الاستثمارات الباهظة في البنية التحتية للطاقة ويضمن موثوقية إمدادات الكهرباء. يبقى فهم هذه الآلية الخطوة الأولى نحو تصميم أنظمة حصينة ضد غضب الطبيعة.

زر الذهاب إلى الأعلى