المفاتيح الكهربائية

الحاجة إلى حماية عدم عمل قواطع الدورة (Breaker Failure Protection) – حارس النظام الأخير

في عالم هندسة القوى الكهربائية، يتم تصميم أنظمة الحماية بحرفية عالية لتكون خط الدفاع الأول ضد الأعطال. تعمل هذه الأنظمة، مثل “حماية المسافة” و”الحماية التفاضلية”، على كشف العطل وإصدار أمر فوري لقاطع الدورة (Circuit Breaker) المعني لعزل الجزء المعطوب من الشبكة، حفاظاً على استقرار واستمرارية التيار لباقي النظام. ولكن، ماذا لو تلقى قاطع الدورة الأمر بالفعل، إلا أنه فشل في التنفيذ؟ هنا تبرز الحاجة الماسة لنظام احتياطي ذكي وقوي يُعرف بحماية عدم عمل قواطع الدورة (Breaker Failure Protection) أو حماية النسخ الاحتياطي المحلي (Local Backup Protection).

ما هي حماية عدم عمل قواطع الدورة (BFP)؟

ببساطة، هي إستراتيجية حماية تُعتبر “حارساً أخيراً” أو “خط دفاع ثانياً”. وظيفتها الرئيسية ليست كشف العطل الأصلي، بل مراقبة أداء قاطع الدورة نفسه. إذا كشفت حماية النظام الأساسية عطلاً وأمرت قاطع الدورة بالفتح، ولكن القاطع فشل في فتح دائرة التيار (أي أن التيار لا يزال متدفقاً عبره بعد فترة زمنية محددة)، تقوم حماية BFP تلقائياً بإصدار أوامر الفتح لجميع قواطع الدورة المجاورة التي يمكنها عزل العطل، بما في ذلك قواطع التغذية المرتبطة بنفس قضيب التوزيع (Busbar) وأحياناً قواطع المحولات.

الهدف الأساسي هو احتواء العطل عندما يفشل القاطع الأساسي في ذلك، ومنع تحول عطل بسيط إلى حالة انهيار كامل للجزء المحلي أو حتى النظام بأكمله.

لماذا نحتاج إلى BFP؟ أسباب وجيهة

إن فشل قاطع دورة في أداء مهمته هو حدث نادر ولكنه كارثي. تعالج BFP المخاطر التالية:

  1. منع انتشار العطل وتفاقمه: العطل الأصلي (مثل قصر دائرة) يولد كميات هائلة من التيار والحرارة، مما يتسبب في تدمير المعدات (كالمحولات، الكابلات، المولدات). إذا استمر هذا العطل لفترة أطول مما هو متوقع (بسبب فشل القاطع)، فإن الضرر يتضاعف وقد ينتشر إلى معدات سليمة مجاورة، مما يزيد من حجم الخسارة المادية ووقول إعادة الخدمة.
  2. الحفاظ على استقرار النظام: الشبكات الكهربائية مترابطة بشدة. استمرار عطل كبير لفترة طويلة يمكن أن يؤدي إلى:
    • تذبذبات وعدم استقرار في الجهد والتردد.
    • فقدان التزامن بين المولدات.
    • سحب التيار بشكل متتالي (Cascading Failure) حيث تبدأ أجزاء من الشبكة في الانفصال تباعاً لحماية نفسها، مما قد يؤدي إلى انقطاع التيار على نطاق واسع (Blackout).
  3. حماية قاطع الدورة الفاشل نفسه: قد يفشل القاطع في الفتح بسبب عطل ميكانيكي داخلي (مثل ضعف آلية النابض أو نظام الضغط الهوائي) أو عطل في دائرة الفتح الخاصة به. استمرار مرور تيار القصر العالي عبر القاطع المعطوب سيؤدي حتماً إلى تدميه تدميراً كاملاً قد يصاحبه انفجار أو حريق، مهدداً سلامة العاملين والمحطة.
  4. تعويض عدم موثوقية قاطع الدورة الفردي: على الرغم من أن قواطع الدورة مصممة لتكون شديدة الموثوقية، إلا أنها ليست معصومة من الخطأ. تعتمد فلسفة الحماية الحديثة على “افتراض الأسوأ”، لذا فإن وجود BFP يضيف طبقة حماية حرجة تعوض عن أي قصور غير متوقع في أحد المكونات.

كيف تعمل حماية عدم عمل قواطع الدورة؟ (مبدأ التشغيل)

تعتمد آلية عمل BFP على ثلاث خطوات أساسية:

  1. بدء التشغيل (Initiation):
    • يتم تشغيل مؤقت (Timer) خاص بـ BFP عند استقبال إشارة من حماية النظام الأساسية (مثل حماية المسافة أو التحميل الزائد) تشير إلى أنها قد أصدرت أمر فتح للقاطع.
    • بدلاً من الاعتماد على إشارة الحماية فقط، يتم عادةً ربط تشغيل BFP بوجود تيار باستخدام مرحلات قياس التيار (Current Relays) أو محولات التيار (CTs). أي أن BFP لا تبدأ العد إلا إذا تحقق شرط: “أمر فتح من الحماية الأساسية و استمرار مرور التيار في القاطع”.
  2. توقيت العد (Timing):
    • بمجرد البدء، يبدأ مؤقت BFP بالعد. هذه الفترة الزمنية (عادةً ما بين 100 إلى 200 مللي ثانية) محسوبة بدقة لتكون كافية لفتح القاطع الأساسي بشكل طبيعي، بما في ذلك وقت تفاعل مرحلات الحماية وزمن فتح القاطع الميكانيكي نفسه، بالإضافة إلى هامش أمان بسيط.
  3. التنفيذ (Clearing):
    • السيناريو الأول (النجاح): إذا توقف التيار (أي أن القاطع فتح بنجاح) قبل انتهاء وقت المؤقت، يتم إعادة ضبط BFP تلقائياً إلى وضع الاستعداد. لم يعد هناك حاجة للتدخل.
    • السيناريو الثاني (الفشل): إذا انتهى وقت المؤقت ولا يزال التيار متدفقاً، فإن هذا يؤكد فشل القاطع في العزل. عندها، تصدر BFP أوامر فinstantaneous لجميع قواطع الدورة المجاورة التي يمكنها عزل المصدر. هذا يشمل عادةً:
      • قواطع الدورة على جانبي القاطع الفاشل.
      • قواطع الدورة المغذية لقضيب التوزيع (Busbar) الذي يتصل به القاطع الفاشل.
      • هذا الإجراء “الاقتطاع الواسع” يضمن عزل العطل حتى لو كان على حساب فصل أجزاء سليمة من النظام مؤقتاً.

أنظمة BFP التقليدية مقابل الرقمية (الإلكترونية)

  • التقليدية: كانت تُنفذ باستخدام مرحلات كهروميكانيكية أو إلكترونية مستقلة، حيث كانت كل دائرة حماية تحتاج إلى مجموعة مرحلاتها الخاصة لـ BFP، مما جعل النظام معقداً وكبير الحجم.
  • الرقمية (الحديثة): في أنظمة الحماية بواسطة “المرحلات الرقمية” أو “وحدات حماية متعددة الوظائف”، أصبحت BFP ميزة برمجية (Software Logic) مضمنة داخل هذه المرحلات. هذا يجعل تنفيذها أكثر مرونة وموثوقية، ويسهل ضبط إعداداتها وزمنها، ويمكنها التواصل مع أنظمة الحماية الأخرى لتنسيق أفضل لعملية العزل.

حماية عدم عمل قواطع الدورة (BFP) ليست رفاهية، بل هي عنصر حيوي وأساسي في أي نظام حماية حديث للشبكات الكهربائية ذات الجهد العالي والمتوسط. إنها تجسيد للحكمة القائلة “الاحتياط واجب”. من خلال العمل كشبكة أمان احتياطية، تلعب BFP دوراً محورياً في:

  • تعزيز موثوقية الطاقة.
  • منع الكوارث واسعة النطاق.
  • حماية الاستثمارات الضخمة في معدات المحطات.

بدونها، يظل النظام الكهربائي معرضاً لخطر حقيقي يتمثل في تحول عطل بسيط إلى فشل منهجي كامل، مما يبرر تماماً الحاجة إلى هذا الحارس الأخير الصامت والفعال.

زر الذهاب إلى الأعلى